أحكام في الصلاة
كتبت في Uncategorized | لا تعليقات »بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على الحبيب المصطفى وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم ، أما بعد:
أما بعد أيها الإخوة فحديثنا معكم اليوم عن عبادة عظيمة جليلة القدر عند الله ، بلغ من عظمها أن المولى عز وجل شاء أن يفرضها في السماء السابعة في أعلى عليين ، فأرسل جبريل عليه السلام مسريا بالحبيب المصطفى من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى بيت المقدس ومنها عرج به إلى السماء السابعة ، إلى مكان لم يبلغه جبريل عليه السلام ولو جاوزه لاحترق من نور الله ، ففرضت عليه تلك العبادة عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، عبادة بخمسين ضعفا في الأجر والمثوبة ، عبادة هي قرة عين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومفزعه إذا حزبه أمر قائلا لبلال :” أرحنا بها يا بلال ” عبادة هي آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته ، عبادة لم يشغل الفاروق عمر عنها وعن إقامتها ما هو فيه من الألم والجراحات، عبادة استشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو يحث الناس ويوقظهم لأدائها ، عبادة هي أول ما ينظر فيه يوم القيامة من عمل العبد فإن صلحت صلح سائر عمله ، وإن فسدت والعياذ بالله فباقي العمل فاسد مردود من باب أولى، عبادة إذا لم يؤدها الإنسان وتركها عامدا من غير عذر خرج من ملة الإسلام، بعد هذا الاستعراض لأهمية تلك العبادة العظيمة الشأن الجليلة القدر لعلنا عرفنا ما هي إنها الصلاة ، الصلاة عباد الله التي أمر الله بها في غير ما موضع من كتابه العزيز (17) فقال عز وجل:” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة”، وقال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم:” حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة” ، وقال صلى الله عليه وسلم موصيا بها عند موته :” الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم” ، وعمر عندما طعن كان يغمى عليه فيستيقظ وينبه للصلاة فيقول رضي الله عنه :” نعم لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة” ، هذه الصلاة هذه العبادة العظيمة التي قال عنها المولى عز وجل :” اتل ما أوحي إليك من ربك وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون” .
ولعل سائل يسأل فيقول:” ما لي أصلي وأرتكب المعاصي، وما لي أصلي ولا أرتدع عن ما أنا عليه من الغفلة والإعراض عن الله ” ؟
والجواب عن هذا في كتاب الله عز وجل ، فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز :” وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ” ، ولم يقل أد الصلاة ، ولا شك ان هناك بون شاسع وفرق كبير بين الأداء والإقامة ، فالأداء هي أن تؤدي حركات الصلاة وتسقط الفريضة عنك ، وأما الإقامة فهي أن تقوم إلى الصلاة مستشعرا عظمة من تقوم بين يديه ، مصليا بقلبك وقالبك ، خاشعا متذللا بين يدي الله عز وجل ، مؤديا الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها ، عند ذلك ستشعر بلذة الصلاة وتقر عينك بها ، وتكون راحة لك ومفزعا من الشدائد كما كانت له صلى الله عليه وسلم. وقد استشعر السلف هذه المعاني الجليلة , فهذا زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله كان إذا توضأ اصفر لونه وارتعدت فرائصه فإذا سأل عن ذلك قال :” أتدرون بين يدي من سأقف”؟ ، وهذا خلف بن أيوب رحمه الله عندما سئل : ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطرده قال: لا أُعوِّد نفسي شيئاً يفسد علي صلاتي ، قيل له : وكيف تصبر على ذلك؟ قال : بلغني أن الفساق يصبرون تحت سياط السلطان فيقال : فلان صبور ويفتخرون بذلك ؛ فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟!!.
أيها الإخوة عباد الله ، وإن من إقامة الصلاة وأداءها على الوجه الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى هو أداؤها في أوقاتها التي فرضها الله سبحانه وتعالى فلا تقدم ولا تاخر إلا إذا كان للمسلم عذر من الأعذار الشرعية التي تبيح له الجمع بين كل صلاتين في وقت واحد، فإنه قد شرع الجمع بين صلاة الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير لأسباب وفي أوقات معينة.
ولعل من أكثر الأسباب والأعذار الشرعية المبيحة للجمع شيوعا ووقوعا هو السفر، فما حكم الجمع في السفر ، وهل هناك مدة معينة محددة يعد فيها المسلم مسافرا يحق له الجمع؟ فمن سافر سفر طاعة كحج أو عمرة أو صلة رحم، أو سفراً مباحاً كطلب رزق، وكانت المسافة التي يقطعها في سفره أكثر من أربعة برد، وهي: ما تعادل ـ تقريباً ـ ثلاثة وثمانين كيلومتر،( هنا يبين حكم القصر وحكم الجمع بأن القصر سنة والجمع رخصة والأولى أن يصلي كل صلاة في وقتها إن أمكنه ذلك أما القصر فالأولى أن يقصر ما دام في حكم المسافر فانظر إلى أقوال أهل العلم التي أوردتها قيما بعد أنها تتكلم عن القصر وليس الجمع ) فله أن يقصر الصلاة ويجمعها أثناء السفر. وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم. فإذا وصل إلى وجهته المقصودة من سفره، فهل له أن يقصر ويجمع، ويأخذ أحكام المسافر أم يأخذ حكم المقيم؟اختلف أهل العلم في ذلك حتى حكى ابن عبد البر في المسألة أحد عشر قولاً ، فذهب بعضهم إلى أنه يتم بمجرد وصوله إلى مقصده ويروى ذلك عن الحسن، وقيل بمجرد حط رحاله ووضع زاده وهو مروي عن عائشة وطاووس. ولا دليل على ذلك.
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن للمسافر حق القصر ما لم ينو الإقامة في البلد التي سافر إليها مدة معينة، وحكى ابن المنذر الإجماع على ذلك فقال: أجمع أهل العلم أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة، وإن أتى عليه سنون.
واختلفوا في تقدير هذه المدة التي إذا نواها صار في حكم المقيم:
فقالت الحنفية: يصير مقيماً، ويمتنع عليه القصر إذا نوى الإقامة في بلد خمسة عشر يوماً فصاعداً، فإن نوى تلك المدة أو أكثر لزمه الإتمام، وإن نوى أقل من ذلك قصر.
وذهبت المالكية والشافعية إلى أن المسافر إذا نوى إقامة أربعة أيام ـ غير يومي الدخول والخروج ـ أتم صلاته، لأن الله تعالى أباح القصر بشرط الضرب في الأرض، والمقيم والعازم على الإقامة غير ضارب في الأرض، والسنة بينت أن ما دون الأربعة أيام لا تقطع حكم السفر، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً” وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في عمرته ثلاثاً يقصر الصلاة ، ووجه ذلك أن المهاجر ممنوع من الإقامة في مكة ، فدل على أن الثلاثة لا تعد إقامة ، وأن الأربعة إقامة .
وقالت الحنابلة: له أن يقصر الصلاة إلا أن ينوي الإقامة أكثر من أربعة أيام أو أكثر من عشرين صلاة، ويُحسب من المدة يوما الدخول والخروج، ودليلهم حديث جابر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة الرابع من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى صبح الثامن ثم خرج إلى منى، وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام. والحديث متفق عليه. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن للمسافر أن يقصر الصلاة ما دام لم ينو الإقامة المطلقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أقاموا بعد فتح مكة قريبا من عشرين يوماً يقصرون الصلاة، وأقاموا بمكة عشرة أيام يفطرون رمضان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه يحتاج أن يقيم بها أكثر من أربعة أيام. قال أنس: أقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة. رواه البيهقى بسند حسن.
وسبب اختلافهم هو الاختلاف في معنى الإقامة، وقد فصل بعض أهل العلم في بيان ما يصير به المسافر مقيماً فقال: المسافر يصير مقيماً بوجود الإقامة. والإقامة هي صريح نية الإقامة، وهو أن ينوي الإقامة أربعة أيام في مكان واحد يصلح للإقامة.
ومعنى صريح نية الإقامة أن يعزم عليها ويجمع النية لها، فلو دخل بلداً ومكث شهراً أو أكثر انتظاراً لقافلة أو لحاجة أخرى يقول: أخرج اليوم أو غداً إذا انتهت حاجتي ـ ولم ينو الإقامة ـ لا يصير بذلك مقيماً.
وأما قول من قال : يقصر مطلقاً ويعتبر مسافراً ما لم ينو الإقامة المطلقة ، ولم يحدد الإقامة بزمن فغير مسلم، واستدلالهم بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وفتح مكة، وبفعل بعض الصحابة برام هرمز وأذربيجان غير صريح في الدلالة لما ذهبوا إليه، لأن من نوى الإقامة غير عازم عليها ومتردداً فيها فهو في حكم المسافر. لأن المتردد في نية الإقامة، أو من حاصر عدواً، أو حاصره عدو أو سيل أو جليد أو كان ينتظر حاجة يتوقعها في سفره ، كل يوم يرجو قضاءها، فكل هذا لا يأخذ حكم المقيم، لأنه غير عازم على الإقامة، وهذا ما يستفاد من الأحداث التي استدلوا بها، لأنهم ـ في جميعها ـ كانوا مترقبين السفر.
وأما تحديد المدة بأربعة أيام فللحديث السابق حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم المهاجر أن يقيم فوق ثلاث بعد قضاء نسكه، ولما استدل به الحنابلة في مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة يقصر إلى اليوم الثامن يوم خروجه إلى منى ، وكان قد دخلها صبيحة الرابع من ذي الحجة فكان مكثه بمكة غير يومي الدخول والخروج ثلاثة أيام.
ومما يشهد لهذا أنه متى نوى سلفاً إقامة أكثر من أربعة أيام فإن وصف المشقة الذي يلازم المسافر يزول عنه غالباً بنوع استقرار يجعل شبهه بالمقيم أكثر من شبهه بالمسافر، فكان إلحاقه به أقوى دليلاً وتعليلاً. وبناء على ما تقدم فالأحوط هو ما ذهب إليه مالك والشافعي من أن المسافر إذا عزم على الإقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج أتم. وعلى ذلك فعلى المسافر أن تم الصلاة وتلزمه أحكام المقيم ما دام عزم على الإقامة أربعة أيام فأكثر. والله أعلم