فضل الدعاء وآدابه

كتبت في Uncategorized | لا تعليقات »
17 أبريل

فضل الدعاء وآدابه – 8/1/1423 – الحذيفي
فضل الدعاء وآدابه
الرقاق والأخلاق والآداب
الدعاء والذكر
علي بن عبد الرحمن الحذيفي
المدينة المنورة
8/1/1423
المسجد النبوي
http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=5089
مكتبة المسجد النبوي الشريف
الحمد لله رب الأرض والسماء، الوهاب لكل نعماء، سميع الدعاء، يكشف الضراء واللأواء، أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له خير الأسماء، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، المبعوث بالحنيفية السمحاء، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأتقياء.
أما بعد:
فاتقوا الله وأطيعوه، وتوبوا إليه واستغفروه.
أيّها المسلمون، اعلَموا أنّه لا يكون شيءٌ في الأرض ولا في السماء إلا بقضاءٍ من الله وقدر، ولا يحدُث أمر محبوب أو مكروه إلا بمشيئة الله تبارك وتعالى وخلقه، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ [القمر:49، 50].
فالله تبارك وتعالى هو الذي يدبِّر الأمور، وهو العليم بذات الصّدور، قال الله تعالى: ٱللَّهُ ٱلَّذِى رَفَعَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2].
جعل للسعادةِ أسباباً، وللشقاء أسباباً، ورتّب المسبّبات على أسبابها، فخلق الأسبابَ، وخلق آثارَ الأسباب، ولا يحكُم مشيئتَه وإرادته شيء، فلو شاء لخلق وأوجدَ الشيءَ بلا سبب، قال الله تعالى: فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ [البروج:16]، وقال تبارك وتعالى: أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [الأعراف:54].
والدعاءُ أكرم شيء على الله، شرعه الله لحصول الخير ودفع الشر، فالدعاءُ سبب عظيم للفوز بالخيرات والبركات، وسببٌ لدفع المكروهات والشرورِ والكربات، وفي الحديث: ((لا ينجي حذرٌ من قدر، والدعاء ينفع مما نزل وممَّا لم ينزل)).
والدعاءُ من القدَر ومن الأسبابِ النافعة الجالبة لكلِّ خير والدافعة لكل شرّ، وقد أمر الله عز وجلّ عبادَه بالدعاء في آياتٍ كثيرة من القرآن، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60].
وحقيقةُ الدعاءِ تعظيمُ الرغبةِ إلى الله تعالى في قضاءِ الحاجاتِ الدنيوية والأخروية، وكشفِ الكربات، ودفعِ الشرور والمكروهات الدنيويّة والأخروية.
والدعاءُ تتحقَّق به عبادةُ ربِّ العالمين؛ لأنَّه يتضمَّن تعلّقَ القلب بالله تعالى، والإخلاصَ له، وعدمَ الالتفات إلى غير الله عز وجل في جلبِ النفع ودفع الضرّ، ويتضمَّن الدعاءُ اليقينَ بأنّ الله قدير لا يُعجزه شيء، عليم لا يخفى عليه شيء، رحمن رحيم، حيّ قيّوم، جواد كريم، محسِن ذو المعروف الذي لا ينقطع أبداً، لا يُحَدُّ جودُه وكرمه، ولا ينتهي إحسانُه ومعروفه، ولا تنفد خزائن بركاته. فلأجلِ هذه الصفات العظيمة وغيرِها يُرجى ربُّنا ويُدعى، ويسأله من في السموات والأرض حاجاتِهم باختلاف لغاتِهم.
ويتضمَّن الدعاءُ افتقارَ العبد وشدةَ اضطرارِه إلى ربّه، وهذه المعاني العظيمةُ هي حقيقةُ العبادة لربّ العالمين.
فما أعظمَ شأنَ الدعاء، وما أجلَّ آثارَه، ولهذا جاء في فضل الدعاء ما رواه أبو داود والترمذي من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي قال: ((الدعاءُ هو العبادة)) قال الترمذي: “حديث حسن صحيح”، وعن أنس رضي الله عنه عن النبي قال: ((الدعاء مخُّ العبادة)) رواه الترمذي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء)) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم.
ولمّا كان الدعاء هو العبادة فإنّه لا يكون إلا لله، فلا يُدعى من دون الله ملكٌ مقرَّب، ولا نبيّ مرسَل، ولا يُدعى من دون الله وليّ ولا جنّيّ، ولا يُدعى من دون الله مخلوق من المخلوقات، قال الله تعالى: وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً [الجن:18]، وقال تبارك وتعالى: وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:68، 69]، ومن دعَا مخلوقًا من دون الله نبيًّا أو ملكًا أو وليًّا أو جنيًّا أو ضريحًا ونحوه أو شجرا أو حجرا فقد وقع في الشرك الأكبر، قال الله تعالى: وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا ءاخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَـٰفِرُونَ [المؤمنون:117]، وقال تبارك وتعالى: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [يونس:106، 107]، وقال تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ أَهَـؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ [سبأ:40، 41].
عبادَ الله، المسلمُ في كلِّ ساعةٍ وفي كلّ وقت مضطرّ إلى الدعاء لحصول خير ينفعه في الدنيا والآخرة، ولدفع شرّ ومكروه يضرّه في الدنيا والآخرة، فمن وُفّق للدعاء فقد فتح الله له بابَ خيرٍ عظيم، فليلزمه، وليسأل المسلمُ ربّه كل حاجة له، صغيرةً أو كبيرة، كما قال النبي : ((ليسأل أحدُكم ربه حاجتَه حتى شسعَ نعله)).
ولو تفكَّر المسلمُ في كلّ نعمة وحاجة صغيرة أو كبيرة، لعلِم يقيناً أنّه لا قدرةَ له على إيجادها والانتفاع بها لولا أن الله أوجدها وساقها إليه بقدرته ومنِّه وكرمه، ومن هوَّن شأنَ الدعاء واستحقره فقد بخَس نفسَه حظَّها من خير عظيم، وأصابَه من الشرّ بقدر ما زهد في هذا الباب.
واعلم ـ أيها المسلم ـ أن الإجابةَ مع الدعاء، سواء كانت عاجلةً أو آجلة، قال عمر رضي الله عنه: (إنّي لا أحمل همَّ الإجابة، ولكني أحمل همّ الدعاء، فإذا ألهِمتُ الدعاء فالإجابة معه لأنّ الله وعد بها)، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((ما على الأرضِ مسلمٌ يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من الشر والسوء مثلَها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم))، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: ((الله أكثَر)) رواه الترمذي، وقال: “حديث حسن صحيح”، ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد وزاد فيه: ((أو يدَّخر له من مثلها)) يعني في الآخرة.
واعلم ـ أيها المسلم ـ أن الدعاء عظيم النفع جليل القدر، له نفعه وله خيره وبركاته في الدنيا والآخرة.
أيها المسلم، كُن دائماً ملازماً للدعاء، متعلّقاً قلبك بالله تبارك وتعالى، وارغَب إلى الله عز وجل لقضاءِ حاجاتِك كلّها؛ فإنه على كل شيء قدير، إذا أراد شيئاً خلقَ أسبابَه، أو أوجدَه بقدرته ومشيئته. وأشرِك ـ أيها المسلم ـ في دعائك الإسلامَ والمسلمين بالدعوة الصالحة، أئمتَهم وعامتّهم وعلماءهم، بأن يعزَّ الله الإسلامَ وأهلَه في كل مكان، ويحفظَ الإسلامَ وأهله في كلّ مكان، ويخذلَ أعداءَ الإسلام والمسلمين، ويكفَّ شرَّ أعداء المسلمين، ويبطِل كيدهم ومكرَهم، لا سيما في هذا العصر الذي تعدّدت فيه مصائبُ المسلمين، وكثرَت همومهم وغمومُهم، ووصلوا إلى حالةٍ لا يقدر أن ينجيَهم إلا الله تبارك وتعالى، اقتداءً برسول الله الذي أمره الله تعالى بقوله: فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ [محمد:19]، وفي الحديث عن النبي : ((من لم يهتمَّ بأمرِ المسلمين فليس منهم)).
بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، أحمده سبحانه وأشكره على فضله العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين، وأشهد أن نبيَّنا وسيّدنا محمداً عبده ورسوله الأمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى بامتثال أوامرِه وترك نواهيه، تفوزوا بجنات النعيم، وتصلحوا دنياكم بشرع الله القويم.
عبادَ الله، إن دعاءَ المسلم بإخلاصٍ وتوجّه قلبٍ أحبّ الأعمال إلى الله عز وجل، والله يقول في محكم كتابه الكريم: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وقال تعالى: فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [غافر:14].
ويُستحبّ للمسلم أن يتخَيَّر جوامعَ الدعاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يستحبّ الجوامعَ من الدعاء، ويدَع ما سوى ذلك. رواه أبو داود بإسناد جيد.
وليحرِص المسلم على حفظ دعاء رسول الله بقدر استطاعته، فقد شرع لكلّ حالٍ دعاءً وذكراً.
ويستحبّ أن يقدِّم بين يدي دعائه عملاً صالحاً، ويثني على الله ببعض ما أثنى به على نفسه، ويُظهر الافتقارَ إلى الله عز وجل وشدّةَ الحاجة والرغبة فيما عند الله تبارك وتعالى، ويصلّي على نبيه محمدٍ في دعائه؛ لأنّ الدعاء معلّق بين السماء والأرض حتى يصلَّى على نبيّه ، فصلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، ويتوسّل إلى الله بأسمائِه الحسنى، وبالاسم الذي يناسِب حاجتَه من أسماءِ الله تبارك وتعالى الحسنى، كقوله تعالى: وَقُل رَّبّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ [المؤمنون:118]، وكقوله تعالى: وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [المائدة:114].
ويستحبّ أن يتحيّن أوقاتَ الإجابة مثل ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول الغيث، وأدبار الصلوات، وعند رؤية البيت العتيق، وفي آخر ساعة من الجمعة.
عباد الله، إنَّ الله أمرَكم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال تبارك وتعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلّى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً)).
فصلوا وسلموا على سيّد الأولين وإمام المرسلين.
اللهم صل على محمد وعلى آله محمد…

  • أضف الخطبة إلى Float Design
  • أضف الخطبة إلى Delicious
  • أضف الخطبة إلى Twitter
  • أضف الخطبة إلى Google
  • أضف الخطبة إلى Digg
  • أضف الخطبة إلى Technorati
اترك تعليقك ..