زلات اللسان

كتبت في Uncategorized | لا تعليقات »
19 أبريل

زلات اللسان والغيبة والنميمة
فضيلة الشيخ : محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
موقع المنبر
http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=1009

أيها الناس اتقوا الله تعالى واحفظوا ألسنتكم فإن حصائد اللسان هلاك الإنسان فعن معاذ بن جبل قال: ((قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تَعبُد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماءُ النارَ وصلاة الرجل في جوف الليل ، يعني تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ثم تلا: تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ: يعملون ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)).
أيها الناس: إن حصائد اللسان هي أقواله المحرمة وهي أنواع كثيرة منها ما يوصل إلى الكفر ومنها دون ذلك فالاستهزاء بالله ودينه وكتابه ورسله وآياته وعباده الصالحين فيما فعلوا من عبادة ربهم كل هذا كفر بالله ومخرج عن الإيمان وهو من حصائد اللسان. والكذب والغيبة والنميمة والفحش والسب واللعن كل هذا من حصائد اللسان. وفي الحديث: ((إن الله ليبغض الفاحش البذيء)).
أيها الناس: لقد شاع في كثير من الناس أخلاق سيئة من حصائد اللسان فكثير من الناس لا يبالون بالكذب ولا يهتمون به ولم يحذرون من قول النبي : ((إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)). كثير من الناس يظنون ظنونا كاذبة فيشيعها في الناس من غير مبالاة بها وربما كانت تسيء إلى أحد المسلمين وتشوه سمعته وليس لها حقيقة فيبوء بإثم الكذب وإثم العدوان على أخيه المسلم ويخشى أن يكون ممن قال فيهم النبي : إن الرجل يتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار ، وفي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب في رؤيا النبي : ((أتاه ملكان فمروا على رجل مستلق على قفاه وآخر قائم عليه بكلوب من حديد فإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه ومنخره وعينيه إلى قفاه ثم يفعل بالشق الآخر كذلك فما يفرغ منه حتى يعود الجانب الأول صحيحا فيرجع إليه في شرشره كما فعل في المرة الأولى فقال الملكان للنبي : هذا كذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة)).
هؤلاء الذين ينقلون للناس ما يفكرون به من أوهام لا حقيقة لها ربما يكون في كلامهم إلقاء للعداوة والبغضاء بين المسلمين فيتفكك المجتمع وتتفرق الجماعة من أجل أمور وهمية وظنون كاذبة . كثير من الناس ينقلون الكلام عن غيرهم بمجرد الإشاعات وربما لو بحثت عن هذا النقل لوجدته كذبا لا أصل له أو محرفا أو مزيدا أو منقوصا والمؤمن العاقل هو الذي يتثبت في الأخبار ويتحرى في نقلها حتى لا ينقل إثما ولا كذبا وفي الحديث الصحيح عن النبي : ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها أي ما يتثبت ولا يعلم هل هي خير أو شر صدق أو كذب؟ يزل لها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)). وفي الحديث عن النبي أنه قال: ((كفى بالمرء إثما وفي رواية كذبا أن يحدث بكل ما سمع)).
فيا أيها المسلمون احفظوا ألسنتكم لا تطلقوا عنانها فتهلككم إذا أردتم الكلام في شيء فتذكروا قول الله تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقوله : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) واعلموا أنكم محاسبون على كل كلمة تخرج من أفواهكم فما جوابكم يوم القيامة إذا سئلتم ألم تتكلم بكذا وكذا؟ فمن أين وجدت ذلك؟ وكيف تكلمت ولم تتبين الأمر؟ أيها المسلم لا تطلق لسانك بالقول لمجرد ظن توهمته أو خبر سمعته فلعلك أن يكون ظنك كاذبا ولعل الخبر أن يكون كاذبا وحينئذ تكون خاسرا خائبا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم . . [الأحزاب:70-71]. إلى آخر السورة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وحماني وإياكم من الزلل في الأقوال والأفعال إنه جواد كريم.

الخطبة الثانية
الحمد لله جعل المؤمنين إخوة يتعاونون بينهم على البر والتقوى ويحترم كل واحد منهم الآخر في نفسه وماله وعرضه فكل المسلم على المسلم حرام، كما قال ذلك النبي المصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والوفاء، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تتابع القطر والندى، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى واحترموا حقوق إخوانكم المسلمين وذبوا عن أعراضهم كما تذبون عن دمائهم وأموالهم.
أيها المسلمون لقد شاع بين كثير من المسلمين داءان عظيمان لكن السلامة منهما يسيرة على من يسرها الله عليه، أيها المسلمون فشا فينا داء الغيبة وداء النميمة، أما الغيبة: فهي ذكر الإنسان الغائب بما يكره أن يذكر ما فيه من عمل أو صفة، فإن كثيرا من الناس صار همه في المجالس أن يأكل لحم فلان وفلان ، فلان فيه كذا وفيه كذا ومع ذلك لو فتشت لرأيته هو أكثر الناس عيبا وأسوأهم خلقا وأضعفهم أمانة وإن مثل هذا الرجل يكون مشؤوما على نفسه ومشؤوما على جلسائه لأن جلساءه إذا لم ينكروا عليه صاروا شركاء له في الإثم وإن لم يقولوا شيئا.
أيها المسلمون لقد صور الله الإنسان الذي يغتاب إخوانه المسلمين بأبشع صورة، مثّله بمن يأكل لحم أخيه ميتا ويكفي قبحا أن يجلس الإنسان على جيفه أخيه من لحمه ويأكله.
أيها المسلمون إن الواجب عليكم إذا سمعتم من يغتاب إخوانه المسلمين أن تمنعوه وتذبوا عن أعراض إخوانكم؛ ألستم لو رأيتم أحدا قائما على جنازة رجل من المسلمين يأكل لحمه ، ألستم تقومون عليه جميعا وتنكرون عليه؟ إن الغيبة كذلك تماما كما قال الله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه [الحجرات:12]. ولا يبعد أن يعاقب من يغتاب إخوانه يوم القيامة فيقربون إليه بصورة أموات ويرغم على الأكل منهم كما روي في ذلك حديث عن النبي ولقد مر النبي ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم وقال عليه الصلاة والسلام: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)).
أيها المسلمون إن كثيرا من أهل الغيبة إذا نصحوا قالوا: نحن لا نكذب عليه هو يعمل كذا ولقد قيل للنبي : ((أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه)). فبين لأمته أن الغيبة أن تعيب أخاك بما فيه أما إذا عبته بما ليس فيه فإن ذلك جامع لمفسدتين البهتان والغيبة ، ولقد نص الإمام أحمد بن حنبل وفقهاء مذهبه على أن الغيبة من كبائر الذنوب فاحذر أيها المسلم منها واشتغل بعيبك عن عيب غيرك وفتش نفسك هل أنت سالم؟ فربما تعيب الناس وأنت أكثرهم عيبا وإن كنت صادقا في قولك مخلصا في نصحك فوجدت في أخيك عيبا فإن الواجب عليك أن تتصل به وتناصحه، هذا هو مقتضى الأخوة الإيمانية والطريقة الإسلامية.
أما الداء الثاني الذي انتشر بين بعض الناس فهو داء النميمة وهي أن ينقل الكلام بين الناس فيذهب إلى الشخص ويقول قال فيك فلان كذا وكذا لقصد الإفساد وإلقاء العداوة والبغضاء بين المسلمين وهذه هي النميمة التي هي من كبائر الذنوب ومن أسباب عذاب القبر وعذاب النار قال النبي : ((لا يدخل الجنة نمام)) ومر بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي في أمر شاق تركه عليهما أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)).
أيها المسلمون إن الواجب على من نقل إليه أحد أن فلانا يقول فيه كذا أن ينكر عليه وينهاه عن ذلك وليحذر منه فإن من نقل إليك كلام الناس فيك نقل عنك ما لم تقله قال الله تعالى: ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشّاء بنميم [القلم:10-11].
وفقني الله وإياكم لمحاسن الأخلاق وصالح الأعمال وجنبنا مساوئ الأخلاق ومنكرات الأعمال وهدانا صراطه المستقيم إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

  • أضف الخطبة إلى Float Design
  • أضف الخطبة إلى Delicious
  • أضف الخطبة إلى Twitter
  • أضف الخطبة إلى Google
  • أضف الخطبة إلى Digg
  • أضف الخطبة إلى Technorati
اترك تعليقك ..