حسن الظن بالله

كتبت في Uncategorized | لا تعليقات »
24 يوليو

الشيخ أحمد الزومان

بتصرف من موقع الألوكة

http://www.alukah.net/Social/1128/9975/

أما بعد:

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((يقول الله – تعالى – أنا عند ظنِّ عبدي بي))؛ رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675)، فعلى المسلم حُسْنُ الظنِّ بالله في كل حال، فهو مما افترضه الله علينا ومَعنى حُسن الظن بالله: أن تأملَ من الله ما تطلبه منه، فتَظن بأن الله – تعالى – سيرحَمُك ويعفو عنك في الآخرةِ، وإذا سألته شيئًا من أمور الدين، ظننتَ أنه سيجيب دعوتك، وإذا نزل بك ما لا تُحِبُّ ودعوته، ظننتَ أنه سيرفع عنك ما نزل بك، وإذا أصابك ما أهمَّك، ظننتَ أنه سيفرِّج همَّك ويُزيل كربك، وحين ترى في بعض أولادك ما لا يسرُّك، تُحسِنُ الظنَّ بالله بهدايتهم ورجوعهم إلى الصراط المستقيم، فحُسنُ الظن بالله ناتج من معرفة فضله وجوده ولطفه بجميع خلقه.

لكن لابدَّ من العمل مع حسن الظن بالله، فيَبذلُ المكلَّف ما أُمر به من الأسباب ويَتجنب ما نهُي عنه؛ يقول ربُّنا – تبارك وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 218]، فهؤلاء الذين أخبر أنهم يُحسنون الظنَّ به ويرجون رحمته، بذلوا وسعهم في فعل المأمور ولم يتركوا العمل، ومن حُسنِ الظنِّ بالله التوكُّل عليه في جلب الرزق، لكن لا بدَّ من بذل الأسباب؛ فعن عمر بن الخطاب، قال: قال: رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ((لو أنَّكم كنتم تتوكَّلون على الله حقَّ توكله، لرُزقتم كما يُرزق الطير تغدو خِماصًا وتَروح بِطانًا))؛ رواه الترمذي (2344)، وقال: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

فهذه الطيور مع توكلها التام على ربها، لا تجلس في أوكارها، بل تَخرجُ أوَّل النهار تبحث عن الرزق، فيرزقها ربها قوتَ يومها، أمَّا من يَزعم أنه يُحسن الظن بربه مع عدم بذل الأسباب، فليس هذا من حُسنِ الظنِّ بالله، بل هو عَجزٌ وتمنِّي.

أخي:

على قدر معرفتك بربك، على قدر حُسنِ ظنِّك به، فأكمل الناس في حسن ظنهم بالله هم الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – فهم أعلم الخلق بربهم ولطفه بعباده، فهذا يعقوب – عليه السلام – يفقد يوسف، ثم يَفقد أخاه، ثم يتأخَّر كبيرُ أولاده، فلم يَقدِم مع إخوته، ولا يزال يعقوب يُحسن الظنَّ بربه ويبذل الأسباب لرجوع أولاده الثلاثة؛ {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87 ]، ثم في نهاية الأمر لم يَخبْ حُسنُ ظنِّه بربه، فرد عليه أولاده وهم على أكمل حال.

وهذا موسى كليم الله كما أخبرنا – عز وجل – قصته مع فرعون وجنوده بقوله – تعالى – {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]، فأسباب النجاة المادية مَعدومة، وأسباب الهلاك مُتحقِّقة؛ لكن يَبقى حُسنُ الظنِّ بالله في أشدِّ الظروف، وأنه لا يُسلِم أولياءه لأعدائه؛ {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]، وهنا أتى الفرجُ؛ {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63]، {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} [الشعراء: 64-67].

وهذا خليل الرحمن يَخرج من مكةَ مُهاجرًا مُختفيًا، فيختفي في الغار ويَطلبه كُفار مكةَ حتى لم يَبقَ بينه وبينهم إلا خُطوات، ومع ذلك يَبقى مُحسنًا الظنَّ بربِّه، فتُعمى أبصارهم عنه وعن صاحبه؛ فعن أبي بكر – رضي الله عنه – قال: قلت للنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأنا في الغار: لو أنَّ أحدَهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ((ما ظنُّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما))؛ رواه البخاري (3653)، ومسلم (2381).

يتأكَّد حُسنُ الظنِّ بالله في حال الاحتضار؛ فعن جابر بن عبدالله الأنصاري – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قبل موته بثلاثة أيام، يقول: ((لا يموتنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسنُ الظنَّ بالله عز وجل))؛ رواه مسلم (2877).

ففي حال القوة والنشاط، يكون المسلم بين الخوف والرجاء، فنظره في تقصيره تجاه ربِّه يَجلبُ له الخوف منه، فيسعى في العمل ويُبادر بالتوبة من تقصيره ونظره في سعة رحمة الله، وأنَّ الله يَعفر الذنوب جميعًا يَجلب له الطمع في رحمته، وفي حال الاحتضار ليس بحاجة للخوف؛ لأنَّ الخوف يَحملُ على ترك المناهي، وفعل الأوامر، فيغلب المحتضر جانب الرجاء بربِّه ويُستَحبُّ لمن كان عنده أن يذكِّره بالوارد في سعة رحمة الله وفضله ومغفرته لذنوب الموحِّدين، ويذكِّره بأبواب الخير التي كان يقوم بها في صحته، فعندما حضرت عمرو بن العاص – رضي الله عنه – الوفاة، جعل ابنه عبدالله – رضي الله عنه – يقول: يا أبتاه، أما بشَّرك رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بكذا؟ أما بشَّرك رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بكذا؛ رواه مسلم (121)، وأحمد (17326).

ولما طُعِنَ عمر – رضي الله عنه – قال لـه ابن عباس – رضي الله عنه -: ((يا أمير المؤمنين، لقد صحبت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبتَ أبا بكر – رضي الله عنه – فأحسنت صُحبتَه، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبتَ صحبتهم، فأحسنتَ صحبتَهم، ولئن فارقتهم لتُفارِقَنَّهم وهم عنك راضون))؛ رواه البخاري (3692) عن المِْسْوَرِ بن مَخْرَمَة – رضي الله عنه.

من حُسن ظنِّك بالله أن تبذلَ وتُقدِّم في وجوه الخير ثقةً بما عند الله، وأنه يُخلفُ النفقة؛ {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، فسوء الظنِّ بالله يدعو إلى الشُّحِّ؛ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]، هذا في الأمور الحسيَّة، فكذلك في الأمور المعنوية، فيقدِّم المسلم ما يستطيعه من خدمه ونُصح لإخوانه ويبذل لهذا الدين في حدود المستطاع من غير تَخويف الشيطان وتَثبيطه.

  • أضف الخطبة إلى Float Design
  • أضف الخطبة إلى Delicious
  • أضف الخطبة إلى Twitter
  • أضف الخطبة إلى Google
  • أضف الخطبة إلى Digg
  • أضف الخطبة إلى Technorati
اترك تعليقك ..